الجزء الخفي من وظيفتي والذي لم يُسجّل في وصفي الوظيفي ولا يجبرني عليه أحد، هو أني أعمل كمدققة إملائية لكل نص عربي يمر علي طواعيةً، وهذا يعود لطبيعة شخصيتي التي ترفض الأخطاء الإملائية وتعتبرها تشويهاً لأي تصميم مهما بلغ جماله، وتقليلاً من مصداقيته العلمية.
هذا المحتوى التثقيفي مثلاً وصلني من قسم التثقيف الصحي، وكان به أخطاء من المستوى البسيط، كهمزة القطع التي استُبدلت بهمزة الوصل، وبعض التاءات المربوطة المُستبدلة بالهاءات، ولا ألوم أي موظف كائناً من كان على أخطائه الإملائية باستثناء لو كان خريجَ قسم اللغة العربية.
التحدي الحقيقي بالنسبة لي في هذا الكُتيب الموجه لمرضى الكلى هو توحيدُ شكل علامات الترقيم، فالفاصلة والنقطة لابد أن تكونا ملاصقتين للكلمة السابقة لهما في كل النصوص بلا استثناء، أما النقطتان الرئسيتان فلا بأسَ بوجودِ مسافة تفصلهما عن الكلمة السابقة لهما.
كانت بعض النصوص بالجدول عندما وصلني النص من قسم التثقيف الصحي تنتهي بنقاط وبعضها لا ينتهي بنقاط؛ فقررت أن يكون الجدول خالٍ من النقاط.
وقيسوا على ذلك توحيد شكل الأقواس والكسور وطريقة التعداد ... الخ.
لهذا السبب المطويات والكتيبات أبذل فيها مجهوداً مضاعفاً، وقد يستغرق تصحيح الأخطاء الإملائية والمطبعية والنحوية وتوحيد شكل علامات الترقيم مني ساعات طويلة في بعض الأحيان، ولا أعلم إذا كان جهدي هذا مُلاحظاً من أي أحد، أو إذا كان مديري المباشر - غير المتحدث بالعربية - يُدرك ذلك، ولكني أفعل ذلك في كل مرة !
وسأكون ممتنة عند وصول النص لي بأقل أخطاء ممكنة، لأن هذا يجعلني أركز جهودي ووقتي على وظيفتي الأساسية وهي التصميم، ولكن بما أنه لا يوجد موظف في قسمنا وظيفته الأساسية هي تدقيق النصوص والتأكد من سلامتها اللغوية، سأبقى مدققة إملائية إلى إشعار آخر ! وهذا لا يعني أني لستُ مستمتعة بهذا العمل، فأنا أعامل كل محتوى يصلني وكأنه بحث تخرجي، وأستمتع بإخراجه بأفضل جودة ممكنة.
نسيتُ أن أذكر أني خريجة قسم علم الحيوان من كلية العلوم، ولم أدرس تخصص اللغة العربية، وقد تعود نقطة قوتي في اللغة العربية لطبيعة تنشئتي في بيت يهتم بالعلم والتعليم منذ نعومة أظفاري. وأيضاً السنوات التي قضيتها في مدارس تحفيظ القرآن بالمرحلة الابتدائية والمتوسطة لها دور في تقوية ألفاظي وتكوين حساسيتي تجاه الأخطاء. حيثُ كان التركيز في دراستنا آن ذاك على حفظ الآيات بدون أخطاء و معرفة معانيها وتفسيرها ونطقها الصحيح وطريقة تجويدها وإتقان مخارج الحروف.
Comments